فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الألوسي:

قال رحمه الله:
{ها أَنتُمْ هؤلاء} أي: أنتم هؤلاء الحمقى {حاججتم فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ} كأمر موسى، وعيسى عليهما السلام {فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} وهو أمر إبراهيم عليه السلام حيث لا ذكر لدينه في كتابكم، أو لا تعرض لكونه آمن بموسى وعيسى قبل بعثتيهما أصلًا، وليس المراد وصفهم بالعلم حقيقة وإنما المراد هب أنكم تحاجون فيما تدعون علمه على ما يلوح لكم من خلال عبارات كتابكم وإشارته في زعمكم فكيف تحاجون فيما لا علم لكم به ولا ذكر، ولا رمز له في كتابكم ألبتة؟ ا و(ها) حرف تنبيه، واطرد دخولها على المبتدأ إذا كان خبره اسم إشارة نحو ها أناذا وكررت هنا للتأكيد، وذهب الأخفش أن الأصل أأنتم على الاستفهام فقلبت الهمزة هاءًا، ومعنى الاستفهام عنده التعجب من جهالتهم، وتعقبه أبو حيان بأنه لا يحسن ذلك لأنه لم يسمع إبدال همزة الاستفهام هاءًا في كلامهم إلا في بيت نادر، ثم الفصل بين الهاء المبدلة وهمزة (أنتم) لا يناسب لأنه إنما يفصل لاستثقال اجتماع الهمزتين، وهنا قد زال الاستثقال بإبدال الأولى هاءًا، والإشارة للتحقير والتنقيص، ومنها فهم الوصف الذي يظهر به فائدة الحمل، وجملة {حاججتم} مستأنفة مبينة للأولى، وقيل: إنها حالية بدليل أنه يقع الحال موقعها كثيرًا نحو ها أناذا قائمًا وهذه الحال لازمة؛ وقيل: إن الجملة خبر عن (أنتم) و{هَؤُلاء} منادى حذف منه حرف النداء، وقيل: {هَؤُلاء} بمعنى الذي خبر المتبدأ، وجملة {حاججتم} صلة؛ وإليه ذهب الكوفيون، وقراؤهم يقرءون {وَإِذْ أَنتُمْ} بالمد والهمز، وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو بغير همز ولا مد إلا بقدر خروج الألف الساكن، وقرأ ابن كثير ويعقوب بالهمز والقصر بغير مد، وقرأ ابن عامر بالمد دون الهمز {والله يَعْلَمُ} حال إبراهيم وما كان عليه {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ذلك، ولك أن تعتبر المفعول عامًا ويدخل المذكور فيه دخولًا أوليًا، والجملة تأكيد لنفي العلم عنهم في شأن إبراهيم عليه السلام. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66)}.
أخرج ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: اجتمعت نصارى نجران، وأحبار يهود، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنازعوا عنده فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديًا، وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيًا. فأنزل الله فيهم {يا أهل الكتاب لما تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده} إلى قوله: {والله ولي المؤمنين} فقال أبو رافع القرظي: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران: أذلك تريد يا محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله أن أعبد غير الله، أو آمر بعبادة غيره. ما بذلك بعثني، ولا أمرني. فأنزل الله في ذلك من قولهما {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوّة ثم يقول للناس كونوا عبادًا لي من دون الله} [آل عمران: 79] إلى قوله: {بعد إذ أنتم مسلمون} ثم ذكر ما أخذ عليهم وعلى آبائهم من الميثاق بتصديقه إذا هو جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم فقال: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} [آل عمران: 81] إلى قوله: {من الشاهدين}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال ذكر النبي صلى الله عليه وسلم دعا يهود أهل المدينة، وهم الذين حاجوا في إبراهيم، وزعموا أنه مات يهوديًا. فأكذبهم الله ونفاهم منه فقال: {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم} وتزعمون أنه كان يهوديًّا أونصرانيًّا {وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده} فكانت اليهودية بعد التوراة، وكانت النصرانية بعد الإنجيل {أفلا تعقلون}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم} قال: اليهود والنصارى برأه الله منهم حين ادعى كل أمة منهم، وألحق به المؤمنين من كان من أهل الحنيفية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم} قالت النصارى: كان نصرانيًا. وقالت اليهود: كان يهوديًا. فأخبرهم الله أن التوراة والإنجيل إنما أنزلتا من بعده، وبعده كانت اليهودية والنصرانية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم} يقول: فيما شهدتم ورأيتم وعاينتم {فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم} يقول: فيما لم تشهدوا ولم تروا تعاينوا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة. مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: أما الذي لهم به علم فما حرم عليهم وما أُمروا به، وأما الذي ليس لهم به علم فشأن إبراهيم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: يعذر من حاج بعلم، ولا يعذر من حاج بالجهل. اهـ.

.تفسير الآية رقم (67):

قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما وبخهم على ذلك من جهلهم نفى سبحانه وتعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما ادعاه عليه كل منهم طبق ما برهنت عليه الآية الأولى، ونفى عنه كل شرك أيضا، وأثبت أنه كان مائلًا عن كل باطل منقادًا مع الدليل إلى كل حق بقوله سبحانه وتعالى: {ما كان إبراهيم يهوديًا} أي كما ادعى اليهود {ولا نصرانيًا} كما ادعى النصارى- لما تقدم من الدليل {ولكن كان حنيفًا مسلمًا} وقد بين معنى الحنيف عند قوله تعالى: {قل بل ملة إبراهيم حنيفًا} [البقرة: 135] بما يصدق على المسلم، وقال الإمام العارف ولي الدين الملوي في كتابه حصن النفوس في السؤال في القبر: واليهودي أصله من آمن بموسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام التوراة، والنصراني من آمن بعيسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام الإنجيل، ثم صار اليهودي من كفر بما أنزل بعد موسى عليه الصلاة والسلام، والنصراني من كفر بما أنزل بعد عيسى عليه الصلاة والسلام، والحنيف المائل عن كل دين باطل، والمسلم المطيع لأوامر الله سبحانه وتعالى في أي كتاب أنزلت مع أي رسول أوردت، وإن شئت قلت: هو المنقاد لله سبحانه وتعالى وحده بقلبه ولسانه وجميع جوارحه المخلص عمله لله عزّ وجلّ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن قال له: قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك «قل: آمنت بالله ثم استقم» انتهى.
ثم خص بالنفي من عرفوا بالشرك مع الصلاح لكل من داخله شرك من غيرهم كمن أشرك بعزير والمسيح عليهما الصلاة والسلام فقال: {وما كان من المشركين} وفي ذكر وصفي الإسلام والحنف تعريض لهم بأنهم في غاية العناد والجلافة واليبس في التمسك بالمألوفات وترك ما أتاهم من واضح الأدلة وقاطع الحجج البينات. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}.
نتيجة للاستدلال إذ قد تحَصحَص من الحجّة الماضية أنّ اليهودية والنصرانية غير الحنيفية، وأنّ موسى وعيسى، عليهما السلام، لم يخبرا بأنهما على الحنيفية، فأنتج أنّ إبراهيم لم يكن على حال اليهودية أو النصرانية؛ إذ لم يؤْثَر ذلك عن موسى ولا عيسى، عليهما السلام، فهذا سنده خلوّ كتبهم عن ادّعاء ذلك.
وكيف تكون اليهودية أو النصرانية من الحنيفية مع خلوّها عن فريضة الحج، وقد جاء الإسلام بذكر فرضه لمن تمكن منه، ومما يؤيد هذا ما ذكره ابن عطية في تفسير قوله تعالى في هذه السورة: {لا نفرّق بينَ أحد منهم ونحن له مسلمون} [البقرة: 136] عن عكرمة قال: لما نزلت الآية قال أهل الملل: قد أسلمنا قبلك، ونحن المسلمون فقال الله له: فحُجهم يا محمد وأنزل الله: {وللَّه على الناس حجّ البيت} [آل عمران: 97] الآية فحجّ المسلمون وقَعد الكفار.
ثمّ تمم الله ذلك بقوله: {وما كان من المشركين}، فأبطلت دعاوى الفرق الثلاث.
والحنيف تقدم عند قوله تعالى: {قل بل ملّة إبراهيم حنيفًا} في سورة [البقرة: 135].
وقوله: {ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين} أفاد الاستدراكُ بعد نفي الضدّ حصرَا لحال إبراهيم فيما يوافق أصول الإسلام، ولذلك بُيِّن حنيفًا بقوله: {مسلمًا} لأنهم يعرفون معنى الحنيفية ولا يؤمنون بالإسلام، فأعلمهم أنّ الإسلام هو الحنيفية، وقال: {وما كان من المشركين} فنفى عن إبراهيم موافقة اليهودية،.
وموافقة النصرانية، وموافقة المشركين، وإنه كان مسلمًا، فثبتت موافقته الإسلام، وقد تقدم في سورة البقرة [135] في مواضع أنّ إبراهيم سأل أن يكون مسلمًا، وأنّ الله أمره أن يكون مسلمًا، وأنه كان حنيفًا، وأنّ الإسلام الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي كان جاء به إبراهيم {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} وكلّ ذلك لا يُبقي شكًا في أنّ الإسلام هو إسلام إبراهيم.
وَقد بينتُ آنفًا عند قوله تعالى: {فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله} [آل عمران: 20] الأصولَ الداخلة تحت معنى {أسلمتُ وجهي لله} فلنفرضها في معنى قول إبراهيم: {إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض} [الأنعام: 79] فقد جاء إبراهيم بالتوحيد، وأعلنه إعلانًا لم يَترك للشرك مسلكًا إلى نفوس الغافلين، وأقام هيكلًا وهو الكعبة، أول بيت وضع للناس، وفرض حَجّه على الناس: ارتباطًا بمغزاه، وأعلَن تمام العبودية لله تعالى بقوله: {ولا أخاف مَا تشركون به إلاّ أن يشاء ربّي شيئًا} [الأنعام: 80] وأخلص القول والعمل لله تعالى فقال: {وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم يُنزِّل به عليكم سلطانًا} [الأنعام: 81] وتَطَلّب الهُدى بقوله: {ربنا واجعلنا مسلمَيْننِ لك} [البقرة: 128] {وأرنا مناسكنا وتُب علينا} [البقرة: 128] وكسر الأصنام بيده {فجعلهم جذاذًا} [الأنبياء: 58]، وأظهر الانقطاع لله بقوله: {الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين} [الشعراء: 78 81]، وتصَدّى للاحتجاج على الوحدانية وصفات الله {قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب} [البقرة: 258] {وتلك حجتنا ءاتيناها إبراهيم على قومه} [الأنعام: 83] {وحاجهُ قومه} [الأنعام: 80]. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} هو تعريض بكون النصارى مشركين في قولهم بإلهية المسيح وبكون اليهود مشركين في قولهم بالتشبيه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وعطف قوله: {وما كان من المشركين} ليَيْأس مُشْرِكو العرب من أن يكونوا على ملّة إبراهيم، وحتى لا يتوهم متوهم أنّ القصر المستفاد من قوله: {ولكن حنيفًا مسلمًا} قصرٌ إضافي بالنسبة لليهودية والنصرانية، حيث كان العرب يزعمون أنهم على ملّلا إبراهيم لكنهم مشركون. اهـ.

.قال الطبري:

وهذا تكذيبٌ من الله عز وجل دعوَى الذين جادلوا في إبراهيم وملته من اليهود والنصارى، وادَّعوا أنه كان على ملتهم وتبرئة لهم منه، وأنهم لدينه مخالفون وقضاءٌ منه عز وجل لأهل الإسلام ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم أنهم هم أهل دينه، وعلى منهاجه وشرائعه، دون سائر أهل الملل والأديان غيرهم.
يقول الله عز وجل: ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولا كان من المشركين، الذين يعبدون الأصنامَ والأوثانَ أو مخلوقًا دون خالقه الذي هو إله الخلق وبارئهم {ولكن كان حنيفًا}، يعني: متبعًا أمرَ الله وطاعته، مستقيمًا على محجَّة الهدى التي أمر بلزومها {مسلمًا}، يعني: خاشعًا لله بقلبه، متذللا له بجوارحه، مذعنًا لما فَرَض عليه وألزمه من أحكامه. اهـ.

.قال ابن عطية:

أخبر الله تعالى في هذه الآية، عن حقيقة أمر إبراهيم، فنفى عنه اليهودية والنصرانية والإشراك الذي هو عبادة الأوثان، ودخل في ذلك الإشراك الذي تتضمنه اليهودية والنصرانية، وجاء ترتيب النفي على غاية الفصاحة، نفى نفس الملل وقرر الحالة الحسنة، ثم نفى نفيًا بين به أن تلك الملل فيها هذا الفساد الذي هو الشرك، وهذا كما تقول: ما أخذت لك مالًا بل حفظته، وما كنت سارقًا، فنفيت أقبح ما يكون في الأخذ. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين} أعلم تعالى براءة إبراهيم من هذه الأديان، وبدأ بانتفاء اليهودية، لأن شريعة اليهود أقدم من شريعة النصارى، وكرر، لا، لتأكيد النفي عن كل واحد من الدينين، ثم استدرك ما كان عليه بقوله: {ولكن كان حنيفًا مسلمًا} ووقعت لكن هنا أحسن موقعها، إذ هي واقعة بين النقيضين بالنسبة إلى اعتقاد الحق والباطل.
ولما كان الكلام مع اليهود والنصارى، كان الاستدارك بعد ذكر الانتفاء عن شريعتهما، ثم نفى على سبيل التكميل للتبري من سائر الأديان كونه من المشركين، وهم: عبدة الأصنام، كالعرب الذين كانوا يدعون أنهم على دين إبراهيم، وكالمجوس عبدة النار، وكالصابئة عبدة الكواكب، ولم ينص على تفصيلهم، لأن الإشراك يجمعهم.
وقيل: أراد بالمشركين اليهود والنصارى لإشراكهم به عزيرًا والمسيح، فتكون هذه الجملة توكيدًا لما قبلها من قوله: {ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا} وجاء: من المشركين، ولم يجئ: وما كان مشركًا، فيناسب النفي قبله، لأنها رأس آية.
{وما كان من المشركين} ثلاثة أقوال: أحدها: أن المشركين عبدة الأصنام والنار والكواكب والثاني: أنهم اليهود والنصارى والثالث: عبدة الأوثان واليهود والنصارى.
وقال عبد الجبار: معنى {ما كان يهوديًا ولا نصرانيًا} لم يكن على الدين الذي يدين به هؤلاء المحاجون، ولكن كان على جهة الدين الذي يدين به المسلمون.
وليس المراد أن شريعة موسى وعيسى لم تكن صحيحة.
وقال علي بن عيسى: لا يوصف إبراهيم بأنه كان يهوديًا ولا نصرانيًا لأنهما صفتا ذمّ لاختصاصهما بفرقتين ضالتين، وهما طريقان محرّفان عن دين موسى وعيسى، وكونه مسلمًا لا يوجب أن يكون على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، بل كان على جهة الإسلام.
والحنيف: اسم لمن يستقبل في صلاته الكعبة، ويحج إليها، ويضحي، ويختتن.
ثم سمي من كان على دين إبراهيم حنيفًا. انتهى.
وفي حديث زيد بن عمرو بن نفيل: أنه خرج إلى الشام يسأل عن الدين، وأنه لقي عالمًا من اليهود، ثم عالمًا من النصارى، فقال له اليهودي: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله.
وقال له النصراني: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله.
فقال زيد: ما أفرّ إلاَّ من غضب الله، ومن لعنته.
فهل تدلاني على دين ليس فيه هذا؟ قالا: ما نعلمه إلاَّ أن تكون حنيفًا.
قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديًا ولا نصرانيًا، وكأن لا يعبد إلاَّ الله وحده، فلم يزل رافعًا يديه إلى السماء.
وقال: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم. اهـ. بتصرف يسير.